/ الفَائِدَةُ : (72) /
09/11/2025
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / عدم عَزُوف أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ عن نشأتنا الأَرضيَّة هذه بعد اِنتقالهم إِلى عَالَم البرزخ/ / اِنتقال أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ إِلى عَالَم البرزخ غيبة حضور في نشأَتنا هذه مع خفاء الهويَّة/ هناك قضيَّة جارية في أَبواب الْمَعَارِف الْإلَهِيَّة مُهمَّة جِدّاً ، يَجْدُرُ صرف النظر إِليها ، والْاِطِّلَاع عليها ، وهي : (اِنتقال سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ(1) وسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ إِلى عَالَم البرزخ) ؛ فإِنَّ المركوز في الأَذهان : اِنقطاع ولايتهم ؛ لاِرتباطها بالنَّشْأَة الأَرضيَّة . لكنَّ : الثَّابت في صريح بيانات الوحي : أَنَّه غَيبة . فلاحظ : أَوَّلاً : بيان سَيِّد الْأَنْبِيَاء ، مُنضمّاً إِليه بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِما وعلى آلهما : « أَيُّهَا النَّاسُ ، خُذُوهَا عَنْ خَاتَمِ النَّبيِّينَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : « إِنَّهُ يَمُوتُ مَنْ مَاتَ مِنَّا وَلَيْسَ بِمَيِّت ، وَيَبْلَى مَنْ بَلِيَ مِنَّا وَلَيْسَ بِبَالٍ » ، فَلَا تَقُولُوا بِمَا لا تَعْرِفُونَ ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الْحَقِّ فِيْمَا تُنْكِرُونَ ، وَاعذِرُوا مَنْ لَا حُجَّةَ لَكُمْ عَلَيْهِ ـ وَأَنَا هُوَ ـ ... فَلَا تَسْتَعْمِلُوا الرَّأَيَ فِيْمَا لَا يُدْرِكُ قَعْرَهُ الْبَصَرُ ، وَلَا تَتَغَلْغَلُ إِلَيْهِ الْفِكَرُ »(2). ومعناه : أَنَّ مَيِّت ما عداهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم يحصل له عزوف عن تصرُّفاته في النَّشْأَة الدُّنْيَوِيَّة الأَرْضِيَّة ، بخلافهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم ؛ فإِنَّ لهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم طاقات وقدرات وحياة مختلفة. فانظر : بيانات الوحي الأُخرىٰ الدَّالة علىٰ اِختلاف طاقاتهم(صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) وقدراتهم وحياتهم ، منها : 1ـ عن عبدالله بن مسعود ، قال : « ... فقام أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ بالبصرة وَرَقَىٰ المنبر فقال : ... فقام إِليه سوید بن نوفل ، وهو كالمستهزئ ، وهو من سادات الخوارج ، فقال : يا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ، أَأَنْتَ حاضر ما ذكرتَ ، وعَالِم بما أَخبرتَ ؟ قال : فالتفت إِليه الإِمام عَلَيْهِ السَّلاَمُ ورَمَقَه بعينه رَمْقَة الغضب ، فصاح سويد بن نوفل صيحة عظيمة من عِظَمِ نازلة نَزَلَت به فمات من وقته وساعته ، فأَخرجوه من المسجد وقد تقطَّع إِرْباً إِرْباً ، فقال عَلَيْهِ السَّلاَمُ : أَبَمِثْلِي يستهزئ المستهزئون ، أَم عَلَيَّ يتعرَّض المُتعرِّضون؟! أَو يليق لـمِـثْلي أَنْ يتكلَّم بما لا يعلم ، ويَدَّعي ما ليس له بحقٍّ ، هلكَ والله المبطلون وأَيم الله ، لو شئتُ ما تركتُ عليها من كافرٍ بالله ، ولا منافق برسول الله ، ولا مُكذِّب بوصيِّه ... »(3). 2ـ عن محمَّد بن سنان ، قال : « بينا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يُجهز أَصحابه إِلى قتال معاوية إِذا اِخْتَصَمَ إِليه إِثْنَان ، فلغىٰ أَحدهما في الكلام ، فقال له : اِخْسَأْ يا كلب . فعوىٰ الرَّجُل لوقته ، وصار كلباً ، فَبُهِتَ من حوله ، وجعل الرَّجُل يُشير بإِصبعه إِلى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، ويتضرَّع ، فنظر إِليه وحرَّكَ شفتيه فإِذا هو بشر سوي!! ... »(4). 3ـ عن ميثم التَّمَّار ، قال : « خَطَبَ بنا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ في جامع الكوفة فأَطال في خُطْبَتِهِ وأَعجب النَّاس تطويلها ... فصاح زيد بن كثير المرادي ، وقال : يا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ... فتقول لنا : ... لو شئتُ أَنْ أَضرب بِرِجْلِي هذه القصيرة صدر معاوية فَأَقلبه علىٰ أًمِّ رأسه لفعلتُ ، فما بالكَ لا تفعل؟ ما تريد إِلَّا أَن تضعف نفوسنا فَنَشُكُّ فيكَ فندخل النَّار . فقال أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : لأَفعلنَّ ذلك ، ولأَعجلنه على ابن هند . فمَدَّ رِجْلَه علىٰ منبره فخرجت عن أَبواب المسجد وردَّها إِلى فخذه ، وقال : معاشر النَّاس ، أَقيموا تاريخ الوقت وأَعلموه فقد ضربتُ بِرِجْلِي هذه السَّاعة صدر معاوية فقلبته عن سريره علىٰ أُمِّ رأسه فظنَّ أَنَّه قد أُحيط به فصاح يا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ، فأَين النظرة ، فرددتُ رِجْلِي عنه . وتوقَّع النَّاس ورود الخبر من الشَّام ... فَوَرَدَتْ الأَخبار والكُتُب بتأريخ تلك السَّاعة بعينها من ذلك اليوم بعينه : أَنَّ رِجْلاً جاءت من ناحية الكوفة ممدودة مُتَّصِلَة فدخلت من أيوان معاوية والنَّاس ينظرون حتَّى ضَرَبَت صدره فقلبته عن سريره علىٰ أُمِّ رأسه ، فصاح : يا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ، وأَين النظرة ؟ ورَدَّت تلك الرِّجْلُ عنه ... »(5). 4ـ بيان الإِمام أَبي جعفر صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، عن الأَسود بن سعيد ، قال : « قال لي أَبو جعفر عَلَيْهِ السَّلاَمُ : يا أَسود بن سعيد ، إِنَّ بيننا وبين كُلِّ أَرض تُرّاً(6) مثل تُرّ البنَّاء ، فإذا أُمرنا في الأَرض بأَمْرٍ جذبنا ذلك التُّرّ ، فأقبلت الأَرض(7) بقليبها وأَسواقها ودورها حتَّى تنفذ(8) فيها ما نُؤَمر به من أَمر الله تبارك وتعالىٰ »(9). 5ـ بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، عن أَبان بن تغلب ، قال : « كنتُ عند أَبي عبد الله عَلَيْهِ السَّلاَمُ فدخل عليه رجل من أَهل اليمن ، فقال له : يا أَخا أَهل اليمن ، عندكم علماء ؟ قال : نعم ... فقال أَبو عبد الله عَلَيْهِ السَّلاَمُ : عَالِم المدينة أَعلم من عَالِـمِكم . قال : فما بلغ من علم عَالِم المدينة ؟ قال : يسير في ساعةٍ من النَّهار مسيرة الشَّمس سَنَة حتَّى يقطع اثنى عشر أَلف عَالَم مثل عَالَمكم هذا ، ما يعلمون أَنَّ الله خَلَق آدم ولا إِبليس . قال : فيعرفونكم؟ قال : نعم ، ما أُفترض عليهم إِلَّا ولايتنا والبراءة من عدوِّنا »(10). 6ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « إِنَّ الدُّنيا لتمثَّل للإِمام في مِثْل فلقة الجوزة (فما يعرض لشيء منها) ، وإِنَّه ليتناولها من أَطرافها كما يتناول أَحدكم من فوق مائدته ما يشاء ، فلا يَعْزُبُ عَنْهُ منها شيء »(11). 7ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، عن أَبي بكر الحضرميّ ، قال : « قال لي أَبو عبد الله عَلَيْهِ السَّلاَمُ : يَا أَبا بكر ، ما يخفى عَلَيَّ شيء من بلادكم »(12). 8 ـ بيان الإِمام أَبي الحسن صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، عن عَلِيِّ بن أَحمد بن مُحَمَّد ، عن أَبيه ، قال : « كُنْتُ أَنا وصفوان عند أَبي الحسن عَلَيْهِ السَّلاَمُ فذكروا الإِمام وفضله ، قال : إِنَّما منزلة الإِمام في الأَرض بمنزلة القمر في السَّماء ، وفي موضعه وهو مطَّلع على جميع الأَشياء كلّها »(13). 9ـ بيان الإِمام الرِّضا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، عن إسماعيل بن مهران ، قال : « كُنْتُ أَنَا وأَحمد ابن مُحَمَّد بن أَبي نصر عند الرِّضا عَلَيْهِ السَّلاَمُ فجرىٰ ذكر الإِمام ، فقال الرِّضاعَلَيْهِ السَّلاَمُ : إِنَّما هو مثل القمر يدور في كُلِّ مكان أَو تراه مِنْ كُلِّ مكان »(14). ودلالة الجميع واضحة. بل ذاك سلمان الفارسي (رَضِيَ اللَّهُ عنه) ـ حينما حضر أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ لتجهيزه ـ تبسَّم وهَمَّ بالقعود ؛ لتأْدية التحيَّة ، وهو ميت !! هذا حال أَصحابهم فما ظَنُّك بهم؟! فانظر : ما ورد عن زاذان خادم سلمان ، قال : « لَـمَّا جاء أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ليُغَسِّلَ سلمان وجده قَدْ مات ، فرفع الشَّمْلَة عن وجهه فتبسَّم وهَمَّ أَنْ يَقْعُدَ ، فقال له أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : عد إِلى مَوْتِك ، فَعَاد »(15). بل حصل ذلك لسَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ . فلاحظ : بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، قال : « لَـمَّا حضر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الممات دخل عليه عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فأدخل رأسه معه ، ثُمَّ قال : يا عَلِيّ ، إِذا أَنَا متُّ فغسِّلني وكفِّنِّي ، ثُمَّ أَقعدني واَسأَلني واُكْتُب ». وفي تهذيب الأَحكام : « فخذ بمجامع كفني وأَجلسني ، ثُمَّ اسألني عمَّا شئتَ ، فوالله لا تسألني عن شيءٍ إِلَّا أَجبتُكَ فيه ». وفي رواية أَبي عوانة بإِسناده : « قال عَلِيٌّ : ففعلتُ فأَنبأني بما هو كائن إِلى يوم القيامة » (16). ثانياً : بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « إِنَّ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَتَىٰ أَبا بكر فقال له : أَمَا أمرك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَنْ تطيعني؟ فقال : لا ، ولو أَمَرَني لفعلتُ ، قال : فانطلق بنا إِلى مسجد قبا ، فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يُصَلِّي ، فَلَمَّا انصرف قال عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : يا رسول الله ، إِنِّي قلتُ لأَبي بكر : أَمَرَكَ الله ورسوله أَنْ تطيعني ، فقال : لا ، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : قد أَمَرْتُكَ فأطعه ، قال : فخرج فَلَقِيَ عمر وهو ذَعَرٌ ، فقال له : مَالَك ؟ فقال : قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : كذا وكذا ، فقال : تَبّاً لأُمَّةٍ وَلُّوك أَمْرَهُم ، أَمَا تعرف سِحْرَ بني هاشم ؟! »(17). ثالثاً : بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً ، عن سماعة ، قال : « دخلتُ علىٰ أَبي عبدالله عَلَيْهِ السَّلاَمُ وأَنَا أُحَدِّث نفسي ، فرآني فقال : مالك تُحَدِّث نفسك ؟ تشتهي أَنْ ترى أبا جعفر؟ قُلْتُ : نعم ، قال : قُم فادخل البيت ، فدخلتُ فإذا هو أبو جعفر عَلَيْهِ السَّلاَمُ . وقال : أَتَىٰ قوم من الشِّيعة الحسن بن عليّ عَلَيْهِما السَّلاَمُ بعد قتل أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فسألوه ، فقال : تعرفون أَمِير الْمُؤْمِنِينَ إذا رأيتموه ؟ قالوا : نعم ، قال : فارفعوا السِّتر ، فرفعوه ، فإذا هُم بأَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لا ينكرونه ، وقال أَمِير الْمُؤْمِنِينَ : يموت مَنْ مات مِنَّا وليس بميِّت ، ويَبْقَى من بَقِيَ مِنَّا حُجَّة عليكم »(18). رابعاً : بيان الإِمام موسىٰ بن جعفرصَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِما ، قال : « خَرَجْتُ مع أَبي إِلى بعض أَمواله ، فَلَمَّا برزنا إلى الصَّحراء استقبله شيخ أَبيض الرَّأس واللِّحْيَة فَسَلَّمَ عليه فنزل إِليه أَبي ، جعلتُ أسمعه يقول له : جُعِلْتُ فداك ، ثُمَّ جلسا فتساءلا طويلاً ، ثُمَّ قام الشَّيخ وانصرف وَوَدَّعَ أَبي وقام ينظر في قفاه حتَّى توارى عنه ، فقلتُ لأَبي : مَنْ هذا الشَّيخ الَّذي سمعتك تقول له ما لم تقله لأَحد ؟ قال : هذا أَبي »(19). خامساً : بيان تقرير الإِمام الرِّضا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، عن إِبراهيم بن أَبي البلاد ، قال : « قلتُ لأَبي الحسن الرِّضا عَلَيْهِ السَّلاَمُ : حدَّثني عبد الكريم بن حسَّان ، عن عبيدة بن عبد الله بن بشر(20) الخثعميّ ، عن أبيك أَنَّه قال : كُنْتُ ردف أَبي وهو يريد العريض ، فقال : فلقيه شيخ أبيض الرَّأس واللِّحية يمشي ، قال : فنزل إِليه فَقَبَّلَ بين عينيه ، فقال إِبراهيم : ولا أَعلمه إِلَّا أَنَّه قَبَّلَ يَدَه ، ثُمَّ جعل يقول لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاك ، والشَّيْخ يوصيه ، فكان في آخر ما قال له : أنظر الأَربع ركعات فلا تدعها ، قال : وقام أبي حتَّى توارى الشَّيْخُ ثُمَّ ركب ، فَقُلْتُ : يا أَبَه ، مَنْ هذا الَّذِي صنعت بِهِ ما لَمْ أَرَك صنعته بأَحدٍ ؟ قال : هذا أبي يا بُنَيّ »(21). سادساً : بيانه بِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، عن الوشاء ، قال : « قال لي ابتداءً : إِنَّ أَبي كان عندي البارحة ، فَقُلْتُ : أَبُوكَ؟ قال : أَبي . قُلْتُ : أَبُوكَ ؟ قال : أَبي . قُلْتُ : أَبُوكَ ؟ قال : في المنام ، إِنَّ جعفراً عَلَيْهِ السَّلاَمُ كان يجيء إِلى أَبي فيقول : يا بُنَيَّ ، إِفعل : كذا ، يَا بُنَيّ ، إِفعل : كذا ، يا بُنَيّ ، إِفعل : كذا . قال : فدخلتُ عليه بعد ذلك ، فقال لي : يا حسن ، إِنَّ منامنا ويقظتنا واحدة »(22). ودلالته ـ كدلالة سوابقه ـ واضحة. وعليه : فلا يُتَوَهَّم : أَنَّ سلسلة مراتب الولاية الإِلهيَّة تنقطع وتتبدَّل مِنْ أَصلٍ إِلى أَصلٍ . وهذا هو مضمون ما ورد في بيانات زياراتهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ(23) ، منها : 1ـ بيان زيارة سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : « ... اللَّهُمَّ إِنَّكَ قُلْتَ : [وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا](24) وَإِنِّي أَتَيْتُكَ مُسْتَغْفِراً تائِباً مِنْ ذُنُوبِي ، وَإِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلى الله رَبِّي وَرَبِّكَ لِيَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي »(25). 2ـ بيان زيارة أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « يا مَوْلايَ ، إِلَيْكَ وُفُودِي ، وَبِكَ أَتَوَسَّلُ إِلى رَبِّي فِي بُلُوغِ مَقْصُودِي ، وَأَشْهَدُ أَنَّ المُتَوَسِّلَ بِكَ غَيْرُ خائِبٍ ، وَالطَّالِبَ بِكَ عَنْ مَعْرِفَةٍ غَيْرُ مَرْدُودٍ إِلاّ بِقَضاء حَوائِجِهِ ، فَكُنْ لِي شَفِيعاً إِلى اللَّـهِ رَبِّكَ وَرَبِّي فِي قَضَاءِ حَوائِجي ، وَتَيْسِيرِ أُمُورِي ، وَكَشْفِ شِدَّتِي ، وَغُفْرانِ ذَنْبِي ، وَسَعَةِ رِزْقِي ، وَتَطْوِيلِ عُمْرِي ، وَإِعْطاءِ سُؤْلِي فِي آخِرَتِي وَدُنْيايَ ... »(26). 3ـ بيان زيارة سيِّدة النِّساء صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْها : « يَا مُمْتَحَنَةُ ، امْتَحَنَكِ اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَكِ فَوَجَدَكِ لِـمَـا امْتَحَنَكِ صابِرَةً ، وَزَعَمْنا أَنَّا لَكِ أَوْلِياءُ مُصَدِّقُونَ وَصابِرُونَ لِكُلِّ ما أَتَانَا بِهِ أَبُوكِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ ، وَأَتَى بِهِ وَصِيُّهُ ، فَإِنَّا نَسْأَلُكِ إِنْ كُنَّا صَدَّقْنَاكِ إِلَّا أَلْـحَقْتِنَا بِتَصْدِيقِنَا لَـهُمَـا ؛ لِنُبَشِّرَ أَنْفُسَنَا بِـ : أَنَّا قَدْ طَهُرْنَا بِوِلايَتِكِ »(27). ومعناها : نفس ما تقدَّم من المعنى المختار لِغَيْبَة الإِمام الحُجَّة ابن الحسن(عجل الله تعالى فرجه) ، فلم ينكفئ أَحَدٌ منهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ قيد أَنْمُلَة بعد التحاقهم بالرَّفيق الأَعلى وعَالَم البرزخ عن المسؤوليَّات الإِلهيَّة الملقات علىٰ عواتقهم اِتِّجاه هذه النشأة الأَرضيَّة ، بل لو قيل بـ : ازديادها لكان غير خارجٍ عن الصَّواب والسَّداد ؛ إِذْ غَيْبَتهم كغَيبة مهديِّهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ زيادة في المسؤوليَّة والنَّشاط والرِّعاية والسَّيطرة والإِصرار على إِنجاز المسؤوليَّات والوعد الإِلهيّ ، وِمنْ ثَمَّ ورد بيان قوله تعالى : [يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ](28). وليس في ذلك تَخَبُّط وعدم اِنْسِجَام ، بَلْ بِنَاءٍ بِحِكْمَةٍ بالغةٍ ، فكلُّ حَدَثٍ وأَمْرٍ يحصل في عَالَم التَّكوين ـ ولو كان رفرفة جناح بعوضة أَو صفير طيرٍ ـ إِلَّا وكان ضمن سياق وقوانين ونظم عَالَم التَّكوين . وإِلى هذا تُشير بيانات الوحي ، منها : بيان قوله تعالىٰ : [إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا](29). نعم ، نحن البشر العاديُّون لا نُدرِك فحوىٰ ذلك ، وهذِهِ أَزمَتُنا (30). وبالجملة : أَنَّ أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ مع أَنَّهُم يواجهون ويشاهدون تقصير البشريَّة وتخلُّفها وعصيانها وتمرُّدها وطغيانها وعتوِّها ؛ لكنَّ كُلَّ ذلك وغيره لا يُؤثِّر ، علىٰ همَّتهم وإِدارتهم للأُمور حتَّى يُنْجَز الهدف وتُنْجَز الغاية الإِلهيَّة علىٰ أَيديهم. وهذا ما تُشير إِليه بيانات الوحي ، منها : أَوَّلاً : بيان قوله تعالىٰ ـ فيما اِقْتَصَّ من خبر النَّبيّ موسىٰ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ـ : [وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ](31). ثانياً : بيان قوله تقدَّس ذكره : [وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ](32). وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) لَا بَأْسَ بالْاِلْتِفَات : أَنَّ هناك تسالماً حصل بين المسلمين علىٰ اِسْتِشْهَاد سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ من خلال دسَّ السُّمَّ إِليه ، نعم وقع الكلام في الفاعل (لعنه الله). (2) نهج البلاغة، خ: 86: 141. (3) الزام الناصب، 2: 153ـ 158. (4) بحار الأَنوار، 22: 385/ح357. (5) بحار الأَنوار، 33: 281ـ 282. (6) في القاموس: التُّرّ ـ بالضَّمِّ ـ الخيط يُقَدَّر به البناء. (البحار). (7) في الاِختصاص: «فأقبلت الأَرض إِلينا». (8) في الاِختصاص: «حتَّى ننفذ». (9) بصائر الدرجات، 2: 282/ح1443 ـ10. بحار الأَنوار، 25: 366/ح8. (10) بصائر الدرجات، 2: 270/ح1433 ـ 16. الاِختصاص: 319. (11) بصائر الدرجات، 2: 285 /ح1447 ـ 3. الاِختصاص: 217. (12) بصائر الدرجات، 2: 345 /ح1576 ـ 7. (13) المصدر نفسه/ح1577 ـ 8. (14) المصدر نفسه: 346/ح1578 ـ 9. (15) بحار الأَنوار، 22: 284/ح21. (16) المصدر نفسه، 40: 152. (17) بحار الأَنوار، 27: 304 /ح6. (18) المصدر نفسه: 353 /ح4. (19) بحار الأَنوار، 27: 304 /ح8. (20) في المصدر: (بشير). (21) بحار الأنوار، 27: 303/ح3 . بصائر الدرجات: 78. (22) بحار الأَنوار، 27: 302 /ح1. قرب الإِسناد: 151 ـ 152. (23) يَنْبَغِي الْاِلْتِفَات : أَنَّ متون الزيارات : مَدْرَسَةٌ ومنبعٌ معرفيٌّ عظيمٌ جِدّاً، بل أَعظم المنابع المعرفيَّة في مَدْرَسَة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ . هذا ما صرَّح بِهِ أَعلام الطَّائِفَة. (24) النساء: 64. (25) تهذيب الأَحكام، للشيخ الطوسي، 6: 6/ح1. (26) بحار الأَنوار، 97: 286. (27) بحار الأَنوار، 97: 195. التهذيب، 6: 9. (28) الصف: 8 ـ 9. (29) الطلاق: 3. (30) يَجْدُرُ صَرْف النَّظَرِ في المقام إِلى الأُمور التَّالية : الأَوَّل : أَنَّ التَّشريع الإِلٰهي يُطابق عَالَم التَّكوين ، لكن لا بِبُعْدٍ تَكْوِيْنِيٍّ واحِدٍ ، بل بمجموع أَبْعَاده . الثَّاني : أَنَّ نظام خلقة الله نظام قائم على العدل ، وعلى الموازين والقواعد. الثَّالث : أَنَّ الفخر والفخار يَكْمُنُ في أَنْ نبني ما بقي ، لا استهلاك واجترار ما بُني ، فليس فيه فخر وفضيلة. الرَّابع : أَنَّ ما ورد في بيان سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : « النَّاس نيام فإِذا ماتوا انتبهوا» ـ بحار الأَنوار، 50: 134 ـ برهانٌ وحیانيٌّ دالٌّ على ضعف إِدراكات الإِنسان وضعف وعيه للحقائق في هذه النَّشْأَة كوعي النَّائم. نعم ، إِذا مات انتبه وازداد وعيه وإِدراكه وَإِحاطته ، وهذا مطابق لمفادات كثير من بيانات الوحي ، منها : 1ـ بیان قوله جلَّ قوله : [وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ] [العنكبوت: 64]. فإِنَّ عنوان (الحيوان) صيغة مبالغة للحياة ، سوآء كانت حياة رغد أَم حياة عذاب. 2ـ بیان قوله عزَّ قوله : [وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ] [ق: 21ـ22]. فإِنَّه برهانٌ وحيانيٌّ دالٌّ أَيضاً على صيرورة إِدراكات الإِنسان مُسَلَّحة وذات حِدَّة بعد موته . وهذا على طرف نقيض لما يتوهَّمه أَصحاب النَّزعة الماديَّة كالسَّلفيَّة والوهابيَّة والعلمانيَّة ؛ فإِنَّهم يزعمون اندثار الإِنسان بعد موته ، وَأَنَّ الحياة الدُّنيا هي الصنم وقطب الرَّحىٰ ليس إِلَّا. وهذه صفة وسمة الملحد والكافر. فانظر : بيانات الوحي ، منها : بیان قوله عزَّ مَنْ قائل : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ] [الممتحنة: 13]. وعلى نقيضه قامت صفة المؤمنين ؛ فإِنَّ الدُّنيا لديهم روضة واِعداد ضئيل وضامر لحياة أَعظم من دون قیاس تأتي بعد ذلك. وهذا ما تُشير إِليه بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : بیان قوله جلَّ قدسه : [ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ] [البقرة: 2ـ3]. ودلالته واضحة ، فإِنَّ أَحد صفات المؤمنين الخطيرة : إِيمانهم بالغيب. (31) إبراهيم: 8. (32) مُحمَّد: 38